الخطاب الصوفي في الأدب الجزائري

 عرف الأدب الجزائري القديم حضورا قويا للخطاب الصوفي تزامنا مع تمدّد الحركة الصوفية في الحياة العامة واصطباغ المشهد الثقافي بها اصطباغا يكاد يكون كليا، وقد وجد كثير من أقطاب التصوف في الشعر ملاذا ومتنفَّسا يبثون من خلاله تفاصيل تجاربهم الروحية موظفين فيوضات ومجازات اللغة  نظرا للتشابه الكبير بين التجربة الصوفية والتجربة الفنية إذ كلاهما سفر نحو المطلق واللانهائي، حيث يفرغون اللفظة من دلالتهـا الأولـى ويشحنونها بدلالاتهم الخاصة، فخلفوا وراءهم نصوصا في غاية الروعة والإبداع. وعلى  الرغم من اصـطلاحية رموزهـا إلا أنها كانت تحتوي كمًّا من الشعرية يفوق في أحيان كثيرة النصوص الشعرية العادية التي يلجأ فيها أصحابها إلى الرموز الإنشـائية.

              أما الوجه الثاني لحضور الخطاب الصوفي فيقابلنا في الشعر الجزائري الحديث والمعاصر حيث وجد الشعراء الجزائريون المحدثون والمعاصرون في الرمز الصوفي القديم والتجربة الصوفية الحدس المتوهج والصفاء الروحي، والتقوا مع القدماء في محاولة كل منهما الامساك بالحقيقة والوصول إلى جوهر الأشياء، وأدهشهم ثراء التجربة الصوفية في جوانبها السلوكية والإبداعية بعالمها الغني بالدلالات والرموز فانغمسوا في أعماقها في محاولة لامتصاص مكنوناتها وجواهرها الخفية.

وهذا الكتاب الذي بين أيدينا يتضمن مجموعة من الأبحاث والدراسات التي تقارب حضور الخطاب الصوفي في الشعر الجزائري القديم من خلال التطرق إلى سيرة بعض أقطابه ومشاهيره أمثال الغوث شعيب أبو مدين التلمساني وعفيف الدين التلمساني، وحضوره في الشعر الجزائري الحديث والمعاصر برصد سمات الرؤية الصوفية وإيحائية لغتها وتأويل خطابها عند نخبة من الشعراء الجزائريين أمثال الأمير عبد القادر، وأحمد سحنون، وعثمان لوصيف، ومصطفى الغماري، وغيرهم.